فصل: كفارة اليمين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: موسوعة الفقه الإسلامي



.أنواع اليمين:

اليمين إما أن تكون بطلب من القاضي كما سبق بيان أنواعها وأحكامها.
وإما أن تكون صادرة من الإنسان بلا طلب من القاضي، وهي المرادة هنا.

.صفة اليمين المنعقدة:

اليمين التي تنعقد وتجب بها الكفارة إذا حنث هي اليمين بالله، أو اسم من أسمائه، أو صفة من صفاته.
كأن يقول: والله، وبالله، وتالله، والرحمن، وعظمة الله، ورحمة الله ونحو ذلك.
فإن برّ بيمينه فلا شيء عليه، وإن حنث فعليه الكفارة.

.حكم اليمين:

لليمين خمسة أحكام:
1- يمين واجبة: وهي التي ينقذ بها إنساناً معصوماً من هَلَكة.
2- يمين مستحبة: كالحلف عند الإصلاح بين الناس.
3- يمين مباحة: كالحلف على فعل مباح أو تركه، أو توكيد أمر ونحو ذلك.
4- يمين مكروهة: كالحلف على فعل أمر مكروه، أو ترك مندوب، والحلف في البيع والشراء.
5- يمين محرمة: كمن حلف كاذباً متعمداً، أو حلف على فعل معصية، أو ترك واجب ونحو ذلك.

.حفظ اليمين:

حفظ اليمين يكون بثلاثة أمور:
عدم كثرة الحلف.. عدم الحنث إلا فيما كان واجباً.. إخراج الكفارة بعد الحنث.
قال الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [89]} [المائدة: 89].

.حكمة مشروعية اليمين:

شرع الله عز وجل اليمين لتأكيد الأمر المحلوف عليه، وذلك لحمل المخاطب على الثقة بكلام الحالف، أو لتقوية الطلب من المخاطب، وحثه على فعل شيء أو تركه، أو لتقوية عزم الحالف نفسه على فعل شيء يخشى إحجامها عنه، أو ترك شيء يخشى إقدامها عليه.

.2- أقسام اليمين:

أقسام اليمين:
تنقسم اليمين إلى ثلاثة أقسام:
اليمين اللغو.. اليمين الغموس.. اليمين المنعقدة.

.1- اليمين اللغو:

هي الحلف من غير قصد اليمين، كقول الإنسان في حديثه لا والله، وبلى والله، أو والله لتأكلن ونحو ذلك مما لا يقصد به اليمين.
أو أن يحلف على أمر ماض يظن صِدْق نفسه فبان بخلافه.
فهذه اليمين لا تنعقد، ولا كفارة لها، ولا يؤاخذ بها الحالف.
1- قال الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225].
2- وقال الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89].

.2- اليمين الغموس:

وهي أن يحلف على أمر ماض كاذباً عالماً، وهي محرمة.
وهي من أكبر الكبائر؛ لأن بها تُهضم الحقوق، وتؤكل الأموال بغير حق، ويُقصد بها الفسق والخيانة.
وسميت غموساً لأنها تغمس صاحبها في الإثم، ثم في النار.
وهذه اليمين لا تنعقد، ولا كفارة فيها، وتجب المبادرة بالتوبة منها.
1- قال الله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [94]} [النحل: 94].
2- وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [77]} [آل عمران: 77].
3- وَعَنْ عَبْدِالله بْنِ عَمْرو رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الكَبَائِرُ: الإِشْرَاكُ بِالله، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَاليَمِينُ الغَمُوسُ». أخرجه البخاري.

.3- اليمين المنعقدة:

وهي أن يحلف على أمر مستقبل قاصداً اليمين، توكيداً لفعل شيء أو تركه.
وهذه اليمين تنعقد، فإن بر بيمينه فلا شيء عليه، وإن حنث فعليه الكفارة.
قال الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89].

.شروط اليمين المنعقدة:

يشترط لصحة اليمين التي تجب بها الكفارة ما يلي:
1- أن يكون الحالف بالغاً، عاقلاً، متعمداً، مختاراً، ذاكراً.
2- أن يكون قاصداً اليمين.
3- أن يكون الحلف على أمر مستقبل ممكن.
4- تجب الكفارة إذا حنث في يمينه بفعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله، فإن لم يحنث فلا شيء عليه.

.3- أحكام اليمين:

.حكم تكرار اليمين:

1- إذا كرر اليمين على جنس واحد كأن يقول: والله لا آكل هذا التمر، والله لا آكل هذا التمر، فهذه يمين واحدة، ولا تجب بها إلا كفارة واحدة إذا حنث.
2- إذا كرر اليمين على أشياء مختلفة كأن يقول: والله لا آكل هذا اليوم، والله لا أسافر هذا اليوم، فهذا عليه بكل يمين كفارة إن حنث بها.
3- إذا عقد يميناً واحدة على أشياء مختلفة كأن يقول: والله لا أكلت ولا شربت ولا لبست، فهذا عليه كفارة واحدة إذا حنث، فإنه بفعل واحد منها يحنث، وتنحلّ اليمين.

.حكم كفارة اليمين:

الكفارة: سميت بذلك لأنها تغطي الإثم وتستره.
وهي ما يخرجه الحانث في يمينه من إطعام، أو كسوة، أو عتق رقبة، أو صيام، تكفيراً لحنثه في يمينه.
وهي واجبة فيمن حنث في يمينه، وتسقط عنه إذا عجز عنها؛ لأن الواجب يسقط بالعجز عنه.

.كفارة اليمين:

يخير من لزمته كفارة يمين بين ما يلي:
1- إطعام عشرة مساكين، لكل واحد نصف صاع من قوت البلد، وهو يساوي كيلو وربع من بر أو أرز أو تمر ونحوها، وإن غدى العشرة مساكين أو عشاهم جاز.
2- كسوة عشرة مساكين مما يُلبس عادة.
3- عتق رقبة مؤمنة.
وهو مخير في هذه الثلاثة، فإن لم يجد أحدها صام ثلاثة أيام، ولا يجوز الصيام مع القدرة على أحد الثلاثة السابقة.
والكافر يكفِّر بأحد الثلاثة الأولى، لأن الصوم عبادة فلا يصح من كافر.
قال الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [89]} [المائدة: 89].

.حكم تقديم كفارة اليمين:

يجوز تقديم كفارة اليمين على الحنث، ويجوز تأخيرها عنه.
فإن قدم الكفارة كانت محلِّلة لليمين، وإن أخرها كانت مكفرة له.
1- عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «... وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ». متفق عليه.
2- وَعَنْهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «... وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ». متفق عليه.

.حكم الحنث في اليمين:

1- يسن الحنث في اليمين إذا كان خيراً، فمن حلف على فعل مكروه، أو ترك مندوب، فيفعل الذي هو خير، ويكفِّر عن يمينه.
2- يجب نقض اليمين إذا حلف على ترك واجب، كمن حلف لا يصل رحمه، أو حلف على فعل محرم، كمن حلف ليشربن الخمر.
فهذا الحالف يجب عليه نقض اليمين، ويكفِّر عنها.
3- يباح نقض اليمين إذا حلف على فعل مباح، أو حلف على تركه، ويكفِّر عن يمينه.
1- قال الله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [224]} [البقرة: 224].
2- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَعْتَمَ رَجُلٌ عِنْدَ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم، ثُمّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَوَجَدَ الصِّبْيَةَ قَدْ نَامُوا، فَأَتَاهُ أَهْلُهُ بِطَعَامِهِ، فَحَلَفَ لاَ يَأْكُلُ، مِنْ أَجْلِ صِبْيَتِهِ، ثُمّ بَدَا لَهُ فَأَكَلَ، فَأَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ عَلَىَ يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، فَليَأَتِهَا، وَليُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ». أخرجه مسلم.

.حكم من حَرَّم على نفسه الحلال:

لا يجوز للإنسان أن يُحرِّم على نفسه ما أحله الله له.
1- من حرم على نفسه حلالاً مما أباح الله من طعام، أو شراب، أو لباس، أو فعل، لم يَحْرم عليه، ويجب عليه إن فعله كفارة يمين.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [1] قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [2]} [التحريم: 1- 2].
2- من حرم على نفسه زوجته فقال: أنت علي حرام، فإن نواه ظهاراً أو طلاقاً أو يميناً فهو بحسب نيته، وإن لم ينو شيئاً فهو يمين.
1- قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [3] فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ [4]} [المجادلة: 3- 4].
2- وَعَنْ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى». متفق عليه.

.حكم مَنْ فَعَل ما حلف عليه ناسياً أو مخطئاً:

إذا حلف الإنسان لا يفعل هذا الشيء، ففعله ناسياً، أو جاهلاً، أو مكرهاً، لم يحنث، ولا كفارة عليه، ويمينه باقية.
وإذا حلف على إنسان قاصداً إكرامه، لا يحنث مطلقاً، فإن كان قاصداً إلزامه ولم يفعل فإنه يحنث، وتلزمه الكفارة، ومن حق المسلم على المسلم إبرار قسمه إذا أقسم عليه إذا لم يكن فيه معصية، أو ضرر عليه.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}، قال: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُل قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «قُولُوا، سَمِعْنَا وَأطَعْنَا وَسَلَّمْنَا». قال، فَألقَى اللهُ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} «قال: قَدْ فَعَلتُ» {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} «قال: قَدْ فَعَلتُ» {وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا} «قال: قَدْ فَعَلتُ». أخرجه مسلم.

.حكم الاستثناء في اليمين:

من حلف واستثنى في يمينه لم يحنث، فإذا قال: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، أو لأتركن كذا إن شاء الله، فهذا لا يحنث في يمينه إن فعل المحلوف عليه أو تركه.
ويصح الاستثناء في اليمين بثلاثة شروط:
1- أن يقصد تعليق المحلوف عليه بمشيئة الله لا مجرد التبرك.
2- أن يتصل الاستثناء باليمين معاً.
3- أن يكون الاستثناء لفظاً ونطقاً، فلا ينفعه الاستثناء بقلبه.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «قالَ سُلَيْمَانُ: لأطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى تِسْعِينَ امْرَأةً، كُلُّهُنَّ تَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ الله، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُل إِنْ شَاءَ اللهُ، فَلَمْ يَقُل إِنْ شَاءَ اللهُ، فَطَافَ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا فَلَمْ يَحْمِل مِنْهُنَّ إِلا امْرَأةٌ وَاحِدَةٌ، جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ، وَايْمُ الَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَوْ قال: إِنْ شَاءَ اللهُ، لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله فُرْسَانًا أجْمَعُونَ». متفق عليه.

.المعتبر في اليمين:

من حلف على شيء وورَّى بغيره فالعبرة بنيته لا بلفظه، وإنما تعتبر نية الحالف إذا لم يُستحلف، وإذا استحلف القاضي أو غيره أحداً فاليمين على نية المستحلِف.
1- عَنْ سُوَيْدِ بْنِ حَنْظَلَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجْنَا نُرِيدُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَمَعَنَا وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ فَأَخَذهُ عَدُوٌّ لَهُ فَتَحَرَّجَ القَوْمُ أَنْ يَحْلِفُوا وَحَلَفْتُ أَنَّهُ أَخِي فَخَلَّى سَبيلَهُ فَأَتَيْنَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ القَوْمَ تَحَرَّجُوا أَنْ يَحْلِفُوا وَحَلَفْتُ أَنَّهُ أَخِي، قَالَ: «صَدَقْتَ، المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ». أخرجه أبو داود وابن ماجه.
2- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ». أخرجه مسلم.
3- وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اليَمِينُ عَلَى نِيّةِ المُسْتَحْلِفِ». أخرجه مسلم.

.حكم الإصرار على اليمين:

من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فلا يصر عليها، بل يفعل ما هو خير، ويكفِّر عن يمينه.
1- قال الله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [224]} [البقرة: 224].
2- وَعنْ أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ الله؟ قالَ: «وَالله لأَنْ يَلَجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ، آثَمُ لَهُ عِنْدالله مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفّارَتَهُ الّتِي فَرَضَ الله». متفق عليه.

.منزلة الحلف بالله:

يجب حفظ الأيمان وعدم الاستهانة بها، وعدم الاحتيال للتخلص من حكمها.
وأصل الحلف توكيد الأمر المحلوف عليه بالله العظيم جل جلاله.
فيجب على من أراد أن يحلف أن يصدق، ولا يكثر من تكرار الأيمان؛ تعظيماً لله، إلا فيما ورد كأيمان اللعان.
ويجب على من حُلِف له بالله أن يرضى ويسلم.
1- قال الله تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ [10]} [القلم: 10].
2- وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَحْلِفُ بأَبيهِ، فَقَالَ: «لاَ تَحْلِفُوا بآبَائِكُمْ، مَنْ حَلَفَ بالله فَليَصْدُقْ، وَمَنْ حُلِفَ لَهُ بالله فَليَرْضَ وَمَنْ لَمْ يَرْضَ بالله فَلَيْسَ مِنَ الله». أخرجه ابن ماجه.
3- وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «رَأى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلا يَسْرِقُ، فَقال لَهُ: أسَرَقْتَ؟ قال: كَلا، وَالله الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، فَقال عِيسَى: آمَنْتُ بِالله، وَكَذَّبْتُ عَيْنِي». متفق عليه.

.أنواع اليمين:

تنقسم اليمين من حيث المحلوف به إلى قسمين:
الأول: الحلف بالله، أو بأسمائه، أو بصفاته، وهذا جائز.
الثاني: الحلف بمخلوق من المخلوقات كالحلف بالأصنام، أو الأنبياء، أو الملائكة، أو السماء، أو الكعبة ونحو ذلك.
وهذا النوع لا كفارة فيه لو فَعَل ما حلف على تركه، أو تَرَك ما حلف على فعله؛ لأن اليمين لا تنعقد إلا بالحلف بالله.
وهو محرم وشرك، لا تكفِّره إلا التوبة النصوح، والنطق بكلمة التوحيد.

.حكم الحلف بغير الله:

الحلف بغير الله شرك أصغر، وهو محرم؛ لأن الحلف تعظيم للمحلوف به، والتعظيم لا يكون إلا لله العلي العظيم، والحلف بغير الله كأن يقول مثلاً: والنبي.. وحياتك.. والقمر.. والكعبة.. والأمانة.. والآباء.. والأوثان ونحو ذلك.
وقد يكون الحلف بغير الله شركاً أكبر، وذلك بحسب ما يقوم بقلب الحالف من تعظيم المحلوف به.
1- عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ حَلَفَ بغَيْرِ الله فَقَدْ أَشْرَكَ». أخرجه أبو داود والترمذي.
2- وَعَنْ عَبْدِالله رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَليَحْلِفْ بِالله أوْ لِيَصْمُتْ». متفق عليه.
3- وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالتْ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أحْدَثَ فِي أمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ». متفق عليه.